الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} قال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنّه لا يؤمن إلاّ من سبق له من الله سعادة في الكتاب الأول، ولا يضلّ إلاّ من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول.{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} قال الحسن: وما ينبغي لنفس. وقال المبرد: معناه وما كنت لتؤمن إلاّ بإذن الله. قال ابن عباس: بأمر الله. وقال عطاء: بمشيئة الله، كقوله: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [البقرة: 102]. وقال الكوفي: ما سبق من قضائه. وقال [الدّاني]: بعلمه وتوفيقه.{وَيَجْعَلُ} أي ويجعل الله، وقرأ الحسن وعاصم بالنون: {الرجس} العذاب والسخط. وقرأ الأعمش الرجز بالزاي: {عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ} حجج الله في التوحيد والنبوة.{قُلِ} يا محمد لهؤلاء المشركين السائليك الآيات: {انظروا مَاذَا فِي السماوات} من الشمس والقمر والنجوم: {والأرض} من الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها من الآيات ثم قال: {وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} في علم الله.{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} يعني مشركي مكة: {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ} مضوا: {مِن قَبْلِهِمْ} من الذين مضوا. قال قتادة: يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود، والعرب تسمي العذاب والنعيم: أيامًا، كقوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5] وكل ما مضى عليك من خير أو شر فهو أيام.{قُلْ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ} معهم عند نزول العذاب، كذلك كما أنجيناهم.{كَذَلِكَ حَقًّا} واجبًا،: {عَلَيْنَا} غير شك،: {نُنجِ المؤمنين} بك يا محمد. وقرأ يعقوب: ننجي رسلنا بالتخفيف، وقرأ الكسائي وحفص: ننجي المؤمنين بالتخفيف وشدّدهما الآخرون، وهما لغتان فصيحتان أنجى يُنجي إنجاءً ونجّى ينجّي تنجية بمعنى واحد.{قُلْ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي} الذي أدعوكم إليه.{فَلاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الأوثان التي لا تعقل ولا تفعل ولا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع: {ولكن أَعْبُدُ الله الذي يَتَوَفَّاكُمْ} تقدير أن يسلم ويقبض أرواحهم.{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} قال ابن عباس: عملك. وقيل: نفسك، أي استقم على الدين: {حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: «لم أعبد ربي بالرهبانية وأن خير الدين الحنيفية السهلة».{وَلاَ تَدْعُ} تعبد: {مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ} إن أطعته: {وَلاَ يَضُرُّكَ} إن عصيته: {فَإِن فَعَلْتَ} فعبدت غير الله: {فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظالمين} الضارّين لأنفسهم، الواضعين العبادة في غير موضعها: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ} يصبْك الله ببلاء وشدّة: {فَلاَ كَاشِفَ} دافع: {لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} رخاء ونعمة: {فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} فلا مانع لرزقه.{يُصَيبُ بِهِ} واحد من الضر والخير: {مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور الرحيم قُلْ يا أيها الناس قَدْ جَاءَكُمُ الحق مِن رَّبِّكُمْ} يعني القرآن فيه البيان.{فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [أي له ثواب اهتدائه]: {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} فعلى نفسه جنا: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بكفيل وحفيظ يحفظ أعمالكم. قال ابن عباس: نسختها آية القتال.{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ واصبر حتى يَحْكُمَ الله} من نصرك وقهر أعدائك وإظهار دينه: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين}.قال الحسن: لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وقد تجمع خيرتهم فقال: «إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» قال أنس: فلم نصبر. فأمرهم بالصبر كما أمره الله به.وقال عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: لما قدم معاوية المدينة تلقّته الأنصار وتخلّف أبو قتادة ودخل عليه بعد فقال: مالك لا تلقنا؟ قال: لم تكن عندنا دواب، قال: فأين النواضح؟ قال: ربطناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاصبروا حتى تلقوني»، قالوا: إذًا نصبر، ففي ذلك قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
.اهـ.
|